فكرة "النجاة الداخلية" من أعمق الأفكار الفلسفية والروحية التي شغلت المفكرين والفلاسفة على مر العصور الإنسان، حين نتأملها نجد أن فكرة النجاة ليست مجرد قدرة الفرد على تجاوز الأزمات الخارجية أو الهروب من الظروف القاسية، بل هي نتاج لفعل داخلي أصيل يبدأ من وعي الإنسان بنفسه وبما يحمله في داخله من قوة أو ضعف.
الظروف دائمًا متقلبة:
في ظل تقلب الظروف .. بين الشدة والرخاء، وبين الفرح والحزن، إذا ربط الإنسان سلامه وطمأنينته بما يحدث خارجه، سيظل أسيرًا لدوامة الحيرة والشتات والحزن .. لكن حين يدرك أن النجاة تُصنع داخليًا عبر الوعي، والقدرة على التكيف، والرضا التام لكل ما يحدث والإيمان بحتمية القدر، يصبح الأمر أقل وطأة على المرء وأفضل استقبالاً للأزمات.
المصالحة مع الذات:
النجاة الداخلية تبدأ حين يتوقف الإنسان عن محاربة نفسه، حينما يقبل ذاته بما فيها من نقائص وأخطاء، وهي الخطوة الأولى لتحرير الطاقة النفسية، ومن دون هذه المصالحة، يظل الإنسان في صراع دائم يُضعفه بدل أن يمنحه القوة.
المعنى كطريق للخلاص:
الفيلسوف "فيكتور فرانكل"، الذي نجا من معسكرات الاعتقال النازية، اعتبر أن من يجد معنى لحياته يستطيع أن يتحمل أي ظرف خارجي، فالنجاة إذاً ليست في تغيير الظروف، بل في إيجاد معنى أعمق يجعل الألم نفسه قابلًا للتحمل، بل قابلًا للتحويل إلى طاقة وإرادة وتحدي.
التحكم في الاستجابة:
نحن لا نملك التحكم الكامل في ما يحدث لنا، لكننا نملك دومًا حرية اختيار استجابتنا للمؤثر الخارجي .. هذه الحرية هي جوهر النجاة الداخلية: أن لا ندع الأحداث تسرق منّا إنسانيتنا أو سلامنا النفسي.
بناء الداخل بالوعي والممارسة:
يمكن أن نفعل ذلك بعدة طرق منها:
- التأمل والسكينة: وهما وسيلتان يستطيعان تحرير الذهن من فوضى الأفكار.. ومنها تمارين اليوجا والتنفس وغيرها من التمارين النفسية التي يمكن أن تتعلمها بسهولة عبر مواقع الانترنت المختلفة وحسابات الأطباء والمرشدين النفسيين على تويتر وفيسبوك وغيرهما من التطبيقات.
- الامتنان: وهو أمر يحوّل النظر من النقص إلى الشعور بالاكتفاء التام، ولهذا يجب أن تتمن لنفسك بكل شئ يحدث لك حتى ولو كنت مخطئاً.. طالما تعلمت من الخطأ وقررت عدم تكراره.
- الوعي باللحظة: يجب أن تعرف جيداً أين تقف وإلى أي نقطة وصلت في طريقك في الحياة، وهو الأمر الذي يقلل من ثقل الماضي وقلق المستقبل.
- التمسك بالقيم والمبادئ: وهو بمثابة المرساة الداخلية التي يجب ألا تهتز مهما اشتدت العواصف، وهذا فقط ما سينقذك عند كل عثرة.
وبالأخير .. فالنجاة الحقيقية ليست في الهروب من الظروف ولا في انتظار أن تلطف بنا الحياة، بل في أن نصنع بداخلنا أيقونة من القوة والطمأنينة لا تهدمها الرياح، حين يمتلك الإنسان هذه النجاة الداخلية، يصبح قادرًا على مواجهة أقسى الظروف، لا كضحية، بل كفاعل يصنع من ألمه معنى ومن ضعفه قوة.
كتبت/ أميرة فخري

